شؤون فلسطينية : عدد 170-171 (ص 62)

غرض

عنوان
شؤون فلسطينية : عدد 170-171 (ص 62)
المحتوى
د. عبدالوهاب المسيري
تطمح الى تغيير الواقع او الى راديكالية فاشية تحاول الحفاظ عليه بكل شراسة. و يمكن لادراك ما ان
يتحدى الرؤية القائمة: ولكن يمكنه: ايضاً ان يعمقها. ويتوقف ذلك كله على مركب هائل من العوامل
التاريخية والسياسية والاجتماعية والنفسية والعصبية. ولذاء على الرغم من ان ادراك العربي
الحقيقي يمثل لحظة كشف لنفس الحقيقة, بالنسبة الى كل الصهيونيين , الا انها تترجم نفسها الى
استجابات صهيونية واشكال سلوكية متباينة سنحاول دراستها يتقسيمها الى ثلاثة انماط اونماذج:
‎١‏ هناك نمط من الصهيونيين ادرك طبيعة الجرم الكامن في عملية تغييب العرب هذه فتنكر
للرؤية الصهيونية تماماً وتخلى عنهاء وعاد الى اوروبا. وهناك كثيرون من حزب بوعالي تسيون عادوا
الى الاتحاد السوفياتي بعد الثورة البلشفية حتى يشاركوا في الثورة الاجتماعية وحتى لا يشاركوا في
الارهاب الصهيوني. ولكن هؤلاء قلة نادرة على ما يبدى. وعلى كل فانهم يختفون تماماً من التواريخ
الصهيونية ومن الادراك الصهيوني (اليهودي الغائب). ولذلك» فهم لا يؤثرون» من قريب أو بعيد, في
البرنامج السياسي الصهيوني او سلوك الصهيونيين نحو العرب. ولكن لعلنا لى اعدنا كتابة تاريخ
الصهيونية وفتشنا عن هؤّلاء الغائيين: لوجدنا ان هذا النمط اكثر شيوعاً مما نتصور, ولعله يكون من
المفيد والطريف في الوقت ذاته ان يقوم احد الباحثين العرب بكتابة دراسة في هذا الموضوع.
‏؟ - هناك نمط ثان من الصهيونيين ادرك العربي الحقيقيء ولكنه لم يطرح رؤيته الصهيونية
جانياً ويذل محاولات يائسة لكي يعيد صياغة المشروع الصهيوني بطريقة تستوعب وجود العربي
الحقيقي وتأخذه في الحسبان. ولكن من الملاحظ ان مثل هذه الشخصيات تحولت, بالتدريج» الى
شخصيات مبهمة وهامشية؛ من وجهة نظر صهيونية» تنتمي الى منظمات هامشية وتدافع عن رؤى
هامشية لا تؤثر في المركز والممارسات الاساسية. ولعل سيرة ابشتاين وآرثر روبين» وهو مسؤول
صهيوني آخر عن الاستيطان: وغيرهما خير دليل على ذلك. فهؤلاء الصهيونيون» نظراً لاحتكاكهم
الدائم بالواقع العربيء ادركوا مدى تركيب الموقف, فطرحوا صيغا مركبة نوعاًء مثل الدولة ثنائية
القومية, وطالبوا بالتعاون مع الحركة القومية العربية؛ واسسوا جمعية بريت شالوم (ثم جمعية ايحود)
لاجراء حوار مع العرب يعترف بهم ككيان قومي ولا يتعامل معهم كمجرد مخلوقات اقتصادية. ولكن
المحاولات كلها ظلتء في نهاية الامرء تعبيراً عن ضمير معذب اكثر منها ممارسات حقيقية. ولعل يهودا
ماغنيس هو من اكثر الشخصيات المأساوية في تاريخ الصراع العربى - الصهيوني. فقد ادرك الخلل
العميق في وعد بلفور. منذ البداية» بانكاره وتغييبه للعرب» وادرك مدى عمق الصراع المحتمل بين
المستوطنين الصهيونيين والعرب, ولذا قضى حياته كلها يحاول ان يصل الى صيغة صهيونية تنيرها
لحظة الادراك النادرة دون جدوى. وانتهى به الامر الى ان تنكّرله مجلس الجامعة العبرية التي كان
يترأسها.
‏ويمكن ان نذكرء في هذا السياقء احاد هعام نفسه. الذي تعلم ان يعيش مع التناقض
الحاد. بعد ان رأى الدماء العربية النازفة وبعد ان ولول وكأنه احد انبياء العهد القديم,
يستمطر اللعنات على شعبه لما اقترف من آثام» نجدهء بعد ذلكء في لندن, مستشاراً لحاييم
وايزمان» في الفترة التي سبقت اصدار وعد بلفورء يدلي له بالنصيحة بخصوص كيفية الاستيلاء
على فلسطينء ولا يذكرهء من قريب أو بعيدء بالعربي الحقيقي أو بالدماء النازفة. وينتهي به
المطاف ان يستقر هو ذاته على الارض الفلسطينية؛ بكل ما يحمل ذلك من معاني اغتصاب وقهر,
ولكنه. حتى وهو في فلسطينء, بعد وعد بلفورء ظلت تخامره الشكوك بخصوص المشروع
الصهيونيء وظل موقفه مبهماً حتى النهاية.
‏وهكذا نجد ان محاولة اعادة صياغة الرؤية الصهيونية وتأكيد وجو العربى الحقيقى أديا الى
‏17 شُوُون فلسطيزية العدد ‎.١17١- ١7١‏ أيار/ حزيران (مايو/يونيى) /1941
تاريخ
مايو ١٩٨٧
المنشئ
منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
مجموعات العناصر
Generated Pages Set
Periodicals دوريّات

Contribute

A template with fields is required to edit this resource. Ask the administrator for more information.

Position: 18079 (3 views)