شؤون فلسطينية : عدد 170-171 (ص 66)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 170-171 (ص 66)
- المحتوى
-
د. عبدالوهاب المسيري
البشرء وانما هو رأي يحكم على هذه المثاليات في ضوء الطموحات والممارسة؛ وفي ضوء مايتشكل في
الواقع بالفعل. ونحن ان لم نفعل ذلك اصبح المثل الاعلى ضباباً يفشى الابصار وليس منارة تضيء
للانسان طريقه, وتساعده على تغيير واقعه الى واقع افضل. وهذا ما قاله احد القادة الفلسطينيين الى
أحد اعضاء جماعة بريت شالوم من دعاة السلام مع العرب: «احب ان اخبركء: بكل صراحة انني
افضل ان اتعامل مع شخص مثل جابوتينسكي على التعامل معك. اعرف تماما ان جابوتينسكي مو
عدونا اللدوب واننا ينبغي ان نحارب ضده.ء بينما يبدى انك صديقنا. ولكن» بكل صراحة, لا ارى
فقارق بين هدفك وهدف جابوتينسكي ؛ انت: ايضاً. تتمسك بوعد بلفور والوطن لوس والهجرة ب
ولا شرط وشراء اليهود للارضء اي بكل ما هى بالنسبة الي مساألة حياة اوموت»().
ان ما يقوله العربى هنا ليس تعبيراً عن يأسه بخصوص الطبيعة البشريةء وليس تبنياً لرؤية
داروينيه اجتماعية تشبه رؤية الصهيونيين المتمثلة في ان الواقع هى حلبة صراع الجميع ضد
الجميع, وانما هي تعبير عن محاولة لفهم الآخر في ضوءٍ فكره وسلوكه. فاذا كان القول مشرقاً
عادلاً والفعل مظلماً ظالماًء فلا مناص من ان نضع النقط على الحروفء بل يكون من الافضلء
في هذه الحالة, ان نتعامل مع عدى تطايق اقواله المظلمة افعاله الظالمة؛ فهذا الموقف, على الاقل»
يتسم بفضيلة الوضوح.
وقد تنبه احد زعماء حزب الاستقلال في فلسطين الى ان الرؤية الصهيونية' مهما بلغت من
اعتدال» ادؤية» في نهاية الامرء وهمية (ايديولوجية بالمعنى السلبي للكلمة). وان اي تحقق لها يعني
سلب حقوق العرب. ولذاء حينما كتب له يهودب! ماغنيس يقترح امكان اي يي الدولة اليهودية
على أن يسمح لجماعة يهودية ان تتمتع بحكم ذاتي محدوب في فلسطين:ء رد عليه : «لا ارى اي شيء في
قتراحاتك سوى استفزاز صريح ضد العربء الذين لن يسمحوا لاحد ان يقاسمهم حقوقهم
الطبيعية... اما بالنسبة الى اليهوب» فليست لديهم اي حقوق سوى ذكريات روحية مفعمة بالكوارث
والقصص المحزنة... ولذاء من المستحيل عقد لقاء بين زعماء الشعبين العربي واليهودي»7'")
وكان العرب يدركونء تماماء ان الحديث العذب عن التقدم وخلافه انما هى حديث عن التغييب
وعن سلب الوطن. ان التقدم في اطار غير متزن من القوة لصالح المغتصب يعني ان العربي سيفقد
كل شيء؛ خاصة اذا كان الآخر لا يعترف بالعربي ككيان تاريخيء وانما كمخلوق اقتصادي. ولذاء
تغير كثير من الشعوب المقهورة استراتيجيتها التحررية» ويدلاً من البحث عن التقدم تفضل الدفاع
عن البقاءء او «التشرنق»؛ اذا ما استخدمنا عبارة المفكر العربي المصري د. شكري عياد . ولعل هذا
هى الذي يفسر رفض موبى العلمي لكلمات بن غوريون العذبة حين تقابلا العام 1177, في منزل
موبثي شاريت. فطبقاً لما جاء على لسان بن غوريونء بدأ الحديث بترديد النغمة القديمة التي اعدها
«عن المستنقعات التي يجري تجفيفهاء والصحارى التي تزدهر بالخضرة؛ والرخاء الذي سيعم
الجميع». ولكن العربي قاطعه قائلاً: «اسمع! اسمع يا خواجه بن - غوريون» انني افضل ان تظل
الارض هنا جرداء مقفرة لمئة عام اخرىء او الف عام اخرىء الى ان نستطيع نحن استصلاحها ونأتي
لها بالخلاص». وهنا مارس بن غوريون احدى لحظات الادراك النادرة ولم يسعه الا الاعتراف بأن
العربي الحقيقي كان يقول الحقيقة, وان كلماته هو (اليهودي الخالص) بدت مضحكة وجوفاء اكثر
وهكذ! ايقن العرب انه لا يمكن التصالح. او التفاهمء او الاستفادة» من مستوطن صهيوني يدرك
الواقع بطريقة تنكر وجوبهم ابتداءء اى تهمشهم على احسن تقدير, وهو ادراك تسانده موازين القوى
العالمية والمحلية التي لم تكن في صالح اهل البلد . وقد اثبت مسار التاريخ صدق حدسهم ودقة تقييمهم
11 اشهُون فلسطيزية العدد :١7١- ١7٠١ أيار/ حزيران (مايو/يونيو) 19417 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 170-171
- تاريخ
- مايو ١٩٨٧
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 22437 (3 views)