شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 71)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 71)
- المحتوى
-
عيدالرحمن يسيسو حصحد
«كان ذلك بعد شهر من تركه قريته؛ في بيت عتيق يقع في قرية أخرى بعيدة عن خط القتال»(*"),
ونتعرّف على شيء من مواصقات هذا البيت العتيق من خلال ثلاث عبارات أخرى؛ قصيرة, الاولى
والثانية جاءت على لسان الزوجة؛ إحد اها محمولة على صوت الراوي الذي يقدم لقولهاء ويدعها تقول,
والثانية من خلال حوار ينسرب عبر تداعيات أبي قيس, أما الثالثة فجاءت عبر صوت الراوي مباشرة.
في العبارة الاولى توجّه أم قيس كلامها لابنها قيس فتقول: «إذهب والعب يا قيس في الغرفة
الاخرى»7"). وف الثانية تقول لزوجها وقد فاجأتها آلام المخاض: ديا إلهي... إرفعني قليلاً دعني
أتكىء على الحائط»!""). وفي الثالثة يخيرنا الراوي أن أبا قيس «هرول الى الخارج؛ وحين صفق وراءه
الباب سمع صوت الوليدء فعاد وألصق أذنه فوق خشب الباب»("). ثمة إِذْنْ بيت عتيق؛ مكوّن من
غرفتين على الاقل؛ مبني من حوائط قوية» وله أبواب من خشب. وهذا كل شيء,» إذ لا نعرف شيئاً عن
محتويات البيت» ولا تنبثق من خلال الفقرات السابقة أية إشارات تدلٌ على علاقة واضحة بين البيت
وساكنيه, الا أن الراوي يعرفنا أن أم قيس «أنجبت بنتاً سمّاها «حسناء ماتت بعد شهرين من ولادتها
وقال الطبيب مشمئزاً : «لقد كانت نحيلة للغاية ا(" "). ومغزى ذلك أن البيت مكان لذكرى أآليمة؛ ولحالة
من الققر وعدم الاستقرار, وإذ نفهم من بعض الاشارات غير المباشرة أن البقاء في هذا البيت لم
يستغرق طويلاًء نعرف أنه مكان انتقاليء عابر ومؤقت, كالقرية التي تحتويهء قد يقود الى عودة الى
مسقط الرأس (القرية المتروكة الوطن) وقد يقود الى المنفى خارج الوطنء ولأنه قاد الى الاحتمال
الاخير فإنه يظلّ على صلة بمجال المنفى. وهى في التباسه بين الجبر والاختيار وفي كونه بيتاً ذا
مواصفات ملائمة لحياة الانسان يظلّ على صلة بالوان, إنه محطة انتقالية بين هذا وذاك» وفيه يلتبس
معنى الوطن والمنفى. وقد يكون في هذاء وفي حضور البيت كمكان لذكرى أليمة؛ ما يقسّر حضوره على
لسان الراوي؛ وغيابه عن تداعيات أبي قيسء وكأنّ هذا الاخير يحاول دفنه في أغوار ذاكرته؛ أو كان
حضور البيت لم يبلغ الدرجة العالية من الكثافة التي تجعله يتقجر في الذاكرة, فظلٌ غائباً عنهاء مما
دفع الراوي الى جذبه, واطلاعنا عليه على هذا النحى الباهت» الذي تكاد تنعدم معه الصلة بين البيت
والانسان وأحداث الحياةء كما هى في الرواية» وهى أمر ذو دلالة على أن البيت العتيقء والقرية التى
تحتويه, محض محطة انتقالية لا يتجاوزان ذلك؛ وهما غير متجاوبين مع البيت الاصليء ومع القرية
الاصلية حيث مسقط الرأس (الوطن).
وإذا ما حاولنا العثور على مثل هذا المكان الانتقالي؛ الذي هو يمثابة منفى مؤقتء داخل الوطن,
وذلك في سياق بحثنا عن التكرارات المتجاوبة للأمكنة في روايات كنفانيء فإن محاولتنا ستكون أشبه
بالتنقيب عن شيء نادرء يكاد يلامس حدود الغياب» ان لا نعثر على هذا المكان الانتقاليء الا في حالة
واحدة؛ فقط, هي حالة «سعيد س» وزوجته «صفية» في «عائد الى حيفا» وعبر إشارة عابرة, على لسان
الراوي» أيضاًء ؛ عرق من خلالها أن «سعيد س» حين غادر حيفا «على متن زورق بريطاني فح 1 اليه
دفعاً مع زوجته»( '') انتقل الى عكا حيث قذفه الزورق «يعد ساعة على شاطىء عكا الفضي»!7",
أذنا نعرفء على نحو ضمنيء وعبر إشارة أخرى عن الحاح ذكرى «خلدون» على صفية: أنها وديا
قد تنقلا بين أماكن كثيرة, وبيوت - أكواخ كثيرة(""), ولكن مجيء كلتا الاشارتين» على لسان الراوي»
وفي سياق سرد لا يولي عناية خاصة بالمكان, يؤكدء إضافة لما سبق» غياب الحاحية حضور مثل هذه
الاماكن عن بنية المكان في روايات كنفاني, ولهذا الغياب حركته الدلالية التي تشيء بانشغال عميق
براهنية الحالة الفلسطينية ويآفاق تحولاتهاء أكثر من الانشغال بسرد وقائع حدثت في التاريخ, ولكنها
باهتة الحضون. وعابرة.
11517 شين فلسطيزية العدد 557-55-/7717, تشرين الأول (اكتوبر)- تشرين الثاني (توفمبر)- كانون الأول (ديسمبر) 30٠١+ - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237
- تاريخ
- أكتوبر ١٩٩٢
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 22322 (3 views)