شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 91)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 91)
- المحتوى
-
عبد الرحمن بسيسو ع
لأنك تعرفين بأن المطر سيستمر طوال النهار. ويستعملين في جرف الوحل طوال الليل. تعالي إجلسيء لا
تسمحي لذلك كله ان يهدمك»(05), غير أن أم سعد تعود الى تماسكها وترى الى الامر من جانبه
الآخرء في ضوء ما يفعله سعد ورفاقه فتقول: وتتذكر ما كان سعد يفعله ويقوله حين كان يطوف المخيم:
«كان يقف ويتفرج على الرجال وهم يجرفون الوحلء ثم يقول لهم: «ذات ليلة سيدفنكم هذا الوحل».
ومرة قال له ابوه: لماذا تقول ذلك؟ ماذا تريدنا ان نفعل؟ هل تعتقد انه يوجد مزراب في السماءء وأن
علينا ان نسده؟ وضحكنا كلناء ولكنني حين نظرت اليه رأيت في وجهه شيئاً أرعبني» كان منصفاً الى
التفكير وكأن الفكرة راقت له, كأنه سيذهب في اليوم التالي ليسد ذلك المزراب ثم ذهب»('١1). وفي
ضوء الفكرة نفسها التي ترى الى الواقع وتحولاته؛ والانسان وموقفه ينظر الراوي, مرة أخرى؛ الى
شريط الوحل الداكن المتدلي على طرف رداء ام سعدء فيراه : «شيئاً يشبه تاج الشوك»(١؟١). وقبل أن
تغادر ام سعد تكون قد أبلغت الراوي أن سعداً قد أرسل مع رفيق له يخبرها 6
سيارة اسرائيلية ويقدمها هدية لهاء وتكون هذه مناسبة لأن يتحرك الراوي من بيته: في واحدة من
المرات القليلة التي تحرك فيهاء ويذهب الى المخيم؛ كي يخبر أم سعد انه سمع في الراديى نبا سقوط
سيارة اسرائيلية في كمين مقاتلين وأن الفدائيين عادوا الى قواعدهم سالمين, وبذهاب الراوي الى
المخيم» نكون بإزاء صورة مباشرة» تتشكل الآنء في ذات اللحظة التي ترسمها فيها الكلمات وهذه
حالة نادرة في الرواية صورة نشاهد فيها أم سعد والمخيم في لحظة التحام واحدة: «لست ادري لماذا
مضيت من توي الى المخيم» وفي مستنقع الوحل شهدت أم سعد واقفة مثل شارة الضوء في بحر لا
نهاية له من الظلام. .. وكان المطر ينهمر, ولم يكن رذاذة الصاخب في تلك اللحظة الا تطاير الماء أمام
زورق صامد يشق طريقه كالقدس.9؟١١). هكذا تنعكس الرؤية الملحمية للعالم على كل شيء؛ ؛ فيبدو كل
شيء منطوياً على نقيضه» فتصير مخيمات البؤس والتمزق ومستنقعات الودل بحراً يحتوي قارباً يشق
طريقه كالقدر لأن سعداً ورفاقه قد ذهبوا لاغراق مزراب الوحل الذي صيخ حياة الفلسطيني في المنفى
لمدة عشرين عاماً؛ ولأنهم ذهبواء وأم سعد «تخلف وفلسطين تأخن»7١'), فون شريط الوحل على ردائها
يصير تاج شوك. وتصير مخيمات الاقتلاع والنفي معسكرات للثورة.
وحين تتحدث أم سعد عن تحولات زوجها أبي سعد يفعل هذا التحول العارم؛ نتعرف على أماكن
أخرى داخل المخيمء أماكن تساهم في تشكيل طويوغرافيته, وفي انبثاق مدلولاتها القديمة والجديدةء
وفي سياق واحدء وعبر اللوحة التاسعة «البنادق في المخيم» نتعرف على مقهى المخيم» وساحته. وممراته
الضيقة؛ وأسطح بيوته الواطئة؛ وذلك من خلال صوت «أم سعد» محمولًا على صوت الراويء أومحوراً
ومنقولا عبر صوته الخاصء يقول الراوي: «فجأة تغير كل شيء: كف أبوسعد عن الذهاب للقهوة وصار
حديثه لأم سعد أكثر ليونة. .. كان يأتي دائماً منهكأء ويطلب طعامه بسؤال فظ. .. وحين كان يتعطل
عن العمل كان يزداد فظاظة, ويأخذ في الذهاب الى القهوة حيث يشرب شاياً ويلعب الطاولة وينهر على
كل الناسء وإذ يعود الى البيت كان لا يطاق... وذات يوم شمت أم سعدء مع لهاثه, رائحة الخمر...
أما الآن فقد تغير كل شيء فجأة وصار إن يسمع خطوات تمر من أمام شباك كوخه الواطىء؛ في ذلك
الممر الموحل الضيق الذي لا يسع لمرور أكثرمن شخص واحد يطل برأسه؛ ويشرع بالحديث مع الرجل
العايرء موجهاً ب شتى الاسئلة, متحدثاً عن «الكلاشينكوف» الذي كان يفضّل ان يشير اليه بمجرد كلمة
«كلاشن» مثلما يفعل سعيد حين كان يزورهم»(* ”')؛ وعوضاً عن الذهاب للمقهى » مكان العاطلين عن
العمل والمعطوبين» وأصحاب الزمن المائل» والساقطين أخلاقياً - كما رأينا في «ما تيقى لكم», وكما هي
مدلولات المقهى في «ام سعد» قبل اندلاع الزمن الآخر؛ زمن الثورة والمقاومة الذي بدأته خطوات
5 شين فلمطرزية العدد 557-5155-/7717, تشرين الأول (اكتوير)- تشرين الثاني (نوفمير) كانون الأول (ديسمير) 15151 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237
- تاريخ
- أكتوبر ١٩٩٢
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 22323 (3 views)