شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 93)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 93)
- المحتوى
-
عبد الرحمن بسيسو بح
أن يمر كل يومء في أبكر الصبح ببيت أم سعدء ليسأل عن سعد, ويلح عليها ان تكتب اليه أنْ يعود
- كي يقبضوا عليه؛ بالطبع -وذات يوم يكون الافندي قد قرر شيئاً ربما تفتيش البيت» لذا تراه يجول
في هذا الحيز الضيق الذي هو البيت »ومع جولانه هذا نتعرف على البيت من الداخل؛ وعلى محتوياته:
«ودار الافندي في غرفة الصفيح دورة بطيئة؛ يحدق الى الاشياءء ويرمق الافرشة المكومة في الركن:
وصحون المعدن التي لم تغسل يعد والسقف المعدني الذي بدأ يتوهج بحرارة الصيفء وكومة الوحل
على الباب... وصار الافندي الآن في جهة الباب» ولكنه توقف عند النافذة الصغيرة المفتوحة في الجدان,
ورفع من على رفها الخشبي خرقة قماش صغيرة مثلثة وملونة ومريوطة الى خيط سميك؛ وأخذ يلوح بها
بين أصابعه: أهذا هى حجايك القديم؟» (05) . وكان الافندي قد لاحظ أن أم سعد ترتدي حلية هي
عبارة عن «سلسلة من المعدن تنتهي برصاصة مدفع رشاش» مثقوبة قرب قاعدتها النحاسية ومفرغة
من بارودهاء(' *'). قسأل: «ما هذا العقد يا أم سعد( 14) . فأجايته أن هذا ليس عقداً؛ إنه حجاب:
«حجاب جاء به سعد(؟),
ليس ثمة في هذا البيت شيء ينطوي على قيمة من قيم الالفة؛ ولا تحتوي غرفة الصفيح غير أفرشة
مكوّمة باهمالء وصحون معدنية لم تجد أم سعد حاجة ولا وقتاً لغسلها لأن وقتها ذاهب للعمل في بيوت
الآخرين» وغير كومة وحل على الباب» ووعد بأن يتوهج السقف نارا في الصيفء ولا تنطوي هذه
الخصائص, مجتمعة؛ على شيء غير الدلالة على الوقوع تحت قهر الضرورات الطبيعية والاجتماعية,
وعلى غياب أي من أبعاد العلاقة الانسانية الطبيعية التي تصل الانسان بالمكان؛ ولا شك أن هذه
الضرورات ستظل ضاغطة على آم سعد مثل غيرها من اللاجئين المنفيين» ذلك لأن «ويتهم» لم تجيء
كي تحسن شروط الحياة في المنفى؛ بل من أجل إعادة الحياة في آفق مستقبل مفتوح فوق أرض الوطن
وأم سعد تدرك ذلك؛ وتنتظر! لا... بل أنها تفعل تبث روح الثورة والتفاؤل في النفوس» وتشييع الامل
ف مستقبل يتخلق على وقع خطوات حشد عرف كيف يصير حشد أ وتقدم أولادها واحدا تلى الآخرء
بملء وجدانها وقناعتها أن تذهب الى الاغوان. مع القدائيين» تطبخ لهمء وتعيش معهم في
شيامهم لآن «خيمة عن خيمة تفرق»» تماماً مثلما تختلف دلالة حجاب عن حجاب.
ويبدى أن الحجاب هى الأبرز من بين محتويات البيت المهملة» والواضح أنه كان من أشياء أم
سعد الحميمة, تضعه في صدرهاء وفي شغاف القلب, وتنتظر البركات واجتراح المعجزات التي تبدل
حاف بحالء ولقد طال انتظار أم سعدء فهي قد احتفظت بالحجاب الذي صنعه لها «شيخ عتيق» منذ
كانت في فلسطين» غير ان الكارثة وقعت» وسقطت فلسطينء واقتلعت آم سعد من «الفسية» وقذف بها
الى منافي الارضء ولِم يجد الحجاب نفعاًء ولم تكف أم سعد عن الاحتفاظ به. وانتظار اللحظة التي
يتفجر فيها ما ينطوي عليه الحجاب من مفعول أكيد! ومثلما انتظرت «أم سعد» مفعول الحجاب
انتظرت مفعول الجيوش العربية؛ فجاءت هزيمة ١1 لتؤكد ان الجيوش العربية, كالحجاب تماماً؛ لا
مفعول لهاء وأن كليهما محض خواء مطلقء وأن فلسطين لن تعوب لأبنائهاء إلا إذا قرر أبناؤها ان
يذهيوا اليها... وحين ذهب سعد, وذهب رفاقه: وتأهب سعيد للذهاب» تأهبت أم سعد لتحولات عميقة
في وعيها فاستبدلت الرصاصة بالحجاب القديم, وليس بلا دلالة أن سعداً نفسه هى الذي جاء
بالرصاصة الى البيت وتركها بين ثنيات الفراش» وأن أم سعد هي التي قررت تحويل الرصاصة الى
عقد؛ حجاب جديد: وهي التي قررت أن تضعها في صدرهاء فطلبت من ابن الجيران ان يثقبها ويخرج
بارودهاء ويربطها في سلسلة, فتلك هي المسافة بين جيلين» بين وعيين, وتلك هي دلالة القدرة الفائقة
لدى آم سعد الصوت والنموذج الدال على تلك الطبقة الباسلة المسحوقة والفقيرة والمرمية في
دن مْيُون فلسطرزية العدد 577-575-/77؟, تشرين الأول (اكتوبر)- تشرين الثاني (نوفمير) كانون الأول (ديسمير) 15517 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237
- تاريخ
- أكتوبر ١٩٩٢
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 22323 (3 views)