الحكيم: ضمير شعب ورمز مقاومة (ص 10)

غرض

عنوان
الحكيم: ضمير شعب ورمز مقاومة (ص 10)
المحتوى
جورج حبش
د. عبدالإله بلفزيز
النظافة. النقاوة: الطهارة: المبدثية المثالية» الإيمان الأسطوري بقضية.. مفردات لا
تنتمي إلى السياسة وقلما كانت في التاريخ من معدات من يحرثون في حقل السياسة”
ويزدرعون. الأنبياء والأبطال التاريخيون وحدهم من ارتفعوا بالسياسة إلى مستوى
الرسالة فحرروا السياسة من المعنى الضعيفء وزودوها بالطاقة الأخلاقية التي صنعت
بها المعجزات في الأرض وحررت بها البشرية من الخوف والعبودية والاعتساف والقهر.
غير هؤلاءء لم يعرف للسياسة؛ ولم يعرف من السياسة:؛ غير معناها المألوف والمبتذل
كقرينة على المصلحة أو المنفعة وكوسيلة مجردة من أية أخلاقية عليا عدا تلك التي
تؤسسها السياسة نفسها وتسوغها بحسبانها الأخلاقية الشرعية والإيجابية الوحيدة.
ولم يكن رعاة الصلة الماهوية بين السياسة والأخلاق في تاريخ الإنسانية ممن حالفهم
الحظ دائماً فأفلحوا في تحصيل ثمرات نظرتهم الإنسانوية الرفيعة إلى السياسة كرسالة
عليا من أجل خير البشرية. فقد يحدثنا التاريخ عن مصائر ومآلات غير طيبة لهاتيك
المتساعى التي سعى فيها الأعاظم والكبار. إلبكم ما تقوله صحائف السماء ومدونات
التاريخ في الدنيا: كم من نبي جحده قومه فقتلوه أو حاصروا دعوته فقضى في صمت
من غير أن تصل رسالته إلى شغاف النفوسء لتخرج تعاليمه من حيز السياسة والإمكان
المستحيل إلى حيز الارشاد الروحي وطقوسه من صلوات وجولات في النفس عميقة. وكم
من بطل تاريخي ألقى في نفس شعبه فكرة كبيرة فخذله الزمن وانكسرت بطولته ماديا
ثم انبعثت أمثولة في النفوس تستلهمها الأجيال وتتجدد بها الآمال. في المقابلء ما أكثر من
أخذ السياسة بغير مأخذها الأخلاقي فكسب معركة ثم لم يلبث أن خسر حربا بعد حين.
ما أكثر السياسيين الذين كسبوا رهانهم فأتى عليهم الدهر بالنسيان. وما أكثر الذين
حفروا في ذاكراتهم أسماء الأنبياء والأولياء والأبطال التاريخيين الذين قضوا ولم
يعاينوا ثمرات نبوءتهم أو نضالهم. لم يترك الأولون ما به يذكرون على فالح فعلهم
لكن الأخيرين بذروا في النفس معنى لا يزول وارتفعت قاماتهمٌ عن حدود البشري
والواقغي. من لا يدرك حقيقة هذا الرأسمال الرمزي النادر في صناعة التاريخ لا يدرك
التاريخ,» نعني: : لا بدرك الديناميات العميقة التي تصنع التاريخ. من لا بدرك ذلك2»
سيعجز دائماً عن فهم الأسباب التي تقود إلى عودة ”الأموات“ وأفكارهم ومثلهم إلى
رحاب السياسة والحياة العامة, عما يسميه بعضهم اليوم بعودة الموروث ومعه
عودة تلك الطاقة المعنوية المذهلة التي لا تقبل صرفاً أو قياساً بالقيم والمقائيس المادية.
هذا ليس نصاً في هجاء السياسبين, ‎٠‏ ولا هو نص في مديح الأبطال والأنبياء والمرسلين.
إنه آقرب ما يكون إلى البوح والاعتراف: البوح بشعور إنساني تجاه فقدان معنى رفيع
من معاني السياسة في تاريخنا العربي المعاصرء والاعتراف لمن أخذ معه ذلك المعنى وهو
يرحل عنا بالجميل التاريخي الذي يليق بأي شريف على هذه الأرض أن يعترف لصاحبه
به. وصاحبه جورج حبش: الرجل الذي يكفيك اسمه كي تعرف من هو. إنه الفكرة والقضية
والثورة في صورة رجل اختصر ال معاني كلها وارتفع عن حدود المحسوس والمألوف.
كان بسيطا إلى أقصى حدود البساطة. لكنها البساطة التي لا تنقاد لأحد سواه. أو لأحد
ممن هم في جملة أضرابه (وهم قليلون لا يكادون يحسبون). كأن البساطة ما كانت
وضعت لغيره حين وضعت. كأنها على مقاسه كانت فأتت تعرض نفسها في كل شيء
فيه: في صوت شديد الدفء والصدقء في ثغر لا يبخل يوما بفيض ابتسامات يفتر عنهاء
في حركات اليد المسكونة بالحزمء في مفردات تهبط بالمصطلح السياسي إلى اللغة
المحكية التي تخاطب أكثر الناس. معه أنت في حضرة رجل تاريخي بامتياز. رجل
ندر أن وجدت له في التاريخ المعاصر مثالاً. لكنك تحار في فهم ذلك المنسوب الهائل
من التواضع في شخصه والذي يتدفق بتلقائية من عينيه ومن لسانه من دون حدود.
وفي بساطته كان ملتزماً ثوابته يحزم بحيث لا يحيد عنها حتى حين تدلهم الآفاق. تحاول
عبثا أن تستدرجه إلى حديث عن أفق قريب ممكنء فياخذك إلى البعيد. تفهم أن السياسة
عنده مسكونة بالتاريخ» بل هي التاريخ يمشي خارج قلعة الماضي فيردد دروسه. مؤمن
هو لا مكان للشك عنده. الإيمان مذهبه ومشربه وطريقته المثلى في الحياة. رّ ما بدا لك»
ع ما شئت» فلا هو يرى ما تراه إن ذهلت عن النظر إلى الأفق المفتوح, ولا هو يعي ما
تَعي إن أخذتك مثبطات اليوم عن وعي محفزات الغد. شيئًا فشيئا تدرك أنه لا دواء عن
وعي محفزات الغد. شيئاً فشيئاً تدرك أنه لا دواء ليأسك أو حبوطك أو وهن عزمك سوى
أن تصغي ل ”الحكيم“ جورج حبش فتتمتع بحمام روحي يطهر النفس من أدرانها.
كثيرون اختلفوا مع جورج حبش في السياسة؛ وذهبوا عكس مذهبه فيها: حين كان
قوميا عربيا (وكذلك ظل)؛ وحين أصبح ماركسيا (قوميا): لكن أحدا من الذين اختلفوا
معه لم يجادل يوماً في أن الرجل ضمير شعب وأمة لا يضارعه في المكانة ضمير أو
يضاهيه. انعقد اجماع الجميع على أنه الترمومتر الأدق قياسا في النضال لقياس درجة
الصحة والسواء أو درجة الخطأ والاعتلال في الموقف السياسي والوطني والقومي من
هذه أو تلك من أمهات المسائل في تاريخنا المعاصر من منتصف القرن العشرين الماضي.
بدأ الحكيم حكيما (طبيبا) في الأبدان» وانتهى حكيما في النفوس والإرادات والعزائم:
جراحاً ماهراً في استتكصال اليأس.
-- السفير
سؤال جورج حبش
حسام عيتاني
تجذب الأحداث البشعة التي شهدتها الضاحية الجنوبية وعدد من شوارع العاصمة
الانتباه بعيدا عن غياب جورج حبش. لكن الرجل يدفع في غيابه, كما دفع في حضوره.: الى
التامل في الخاضر اللبناني قبل الماضي أو المستقبل العربيين. تامل على هدير حرب أهلية
تقترب لكنه لا يفلح» ولا ينبغي له أن يفلح؛ في طمس ضرورة أخذ العبر من تجارب سبقت
على غرار تجربة جورج حبش.
نظرة سريعة الى مسيرة الراحل تفيد بأنه انتقل من الايديولوجيا القومية العربية الى
حل الإشكاليات عميقة أثارتها النكبة الفلسطينية. نقول إشكاليات
3 دة لله تضخص 0 مشكلة احتلال ولاجكين
جاب امي 9
في أي نسق أحادي من التفكير ينتهي الى ادعاء الحقيقة والعصمة
رو ب السضيين سد
‎٠‏ الصهيونية, قد جاءت نتيجتها لمصلحة هؤلاء لأنهم. ببساطة؛ حملوا ايديولوجيا أنتجتها
‏ضرورات حياتهم وظروفهم في أوروبا. بل إنهم وصلوا بها الى انتصارها الكبير بتأسيس
دولتهم على أرض فلسطين. ما فتح الباب أمام تساؤلات عن معنى الصهونية بعد تحول
اسرائيل دولة قوية يحضنها المجتمع الدولي على النحو الذي نرى. واسرائيل هي. بمعنى
ماء النقيض التام للدولة العربية. فالاولى نجحت في تظهير فوائدها وأهميتها بالنسبة الى
الغرب والعالم: استطراداء في حين أن الثانية مثال لفقدان أي نوع من الجدوى بالنسبة الى
العالم اللهم باستثناء جدوى استغلالها كمصدر للموارد الطبيعية...
‏لا مفر عند هذه النقطة من تكرار ملاحظة قديمة تقول ان هشاشة البنى الاجتماعية العربية
خذلت القومية العربية والماركسية. فالايديولوجياء في الحساب الاخيرء ليست أكثر من فكر
الحركات الاجتماعية. بالايدولوجيا تستتر مطالب الحركات وأحلامها وأساطيرها. ونسخ
‏1 التجربة الاوروبيةء القومية أو الماركسية أو غيرهماء ووضعها خارج السياقات التاريخية
1 والاجتماعية التي أفرزتهاء لن يؤدي في الختام إلا الى صدام بين الأحلام والمصالح. بين
‏الايديولوجيا والواقع. هذا الصدام هو الذي تسير على إيقاعه القضية الفلسطينية اليوم. هل
نلوم جورج حبش على أحلامه؟ لا. قطعا. فالتاريخ الفلسطيني لم يطو بعد صفحات كان
الرجل من أبرز كتابهاء ولم يقل بعد كلمته الاخيرة فيها. غير ان هذا لا يجب أن يحول دون
نظر في مسار القضية الفلسطينية منذ العام 4/8 15 وحتى اليوم. بل لا ينبغي أن يقام فصل
تعسفي بين المناخات التي نشط وعمل فيها جورج حبش وبين الاجواء التي تسيطر عليها
الحالة الفلسطينية. قالرائي الى الساحة الفلسطينية يكاد يخال أن ثمة قضيتين: واحدة كان '
من جورج حبش وياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وغسان كنفاني وكمال ناصر
من قادتها واخرى تتعاورها قيادات من طينة تلك التي نراها على الشاشات كل ساعة وكل
م
‏ندّعي أنها قضية واحدة. في ما نسب اليها من «بريق» ثوري ولى وانقضى وما يلصق
بها تهافت وتداع مقيم لا يحول ولا يزول. وندعي ان الانحدار المربع في مكانة القضية
الفلسطينية على الساحة العالمية وانقلاب أهلها قوى متناحرة يصعب تصور لقائهم في
أمد منظورء هو نتاج ظروف عالمبة هائلة الأبعاد لم تكن القيادة الفلسطينية مؤهلة للتعامل
معها. ليس منذ الاجتياح الاسرائيلي للبنان ولا منذ اتفاق اوسلو بل منذ أن ظهرت التباينات
‏. العميقة بل الجذرية في داخل المجتمع الفلسطيني بشأن الكيفية التي يتعين التعامل فيها مع
‏مسألة الهجرة البهودية الجنينية في مطالع القرن العشرين. الانقسام بين ريف ومدينةء
بين مؤيد للسلطنة العثمانية (ومن ثم للملك فيصل وللتحالف مع بلاد الشام) وبين مؤيد
للعلاقة الوطيدة مع مصرء والخلافات ببن أسر الوجهاء الفلسطينيينء كانت كلها إشارات
الى العجز الفلسطيني» وبالتالي الغرني) عن قهم رون التكدز عمثر كاز 244 السيام
وفق المصالح وليس الحقوقء وهذا أقل ما بقال.
‏ترك جورج حبشء في ماتركء. سؤالا جسيم الأممية والخطورة: لماذا
أخفقنا؟ ولسنا نبالغ اذا قلنا انه من الاسئلةالتي تطارد وعيا عربيا
مازوماء من غزةالى لبنانالى العراق. والباقون مناليسوافي مناأى.
تاريخ
2008-03-15
المنشئ
اللجنة الوطنية لتخليد القائد د. جورج حبش
مجموعات العناصر
Generated Pages Set

Contribute

A template with fields is required to edit this resource. Ask the administrator for more information.

Position: 4781 (5 views)