الهدف : 144 (ص 9)

غرض

عنوان
الهدف : 144 (ص 9)
المحتوى
را
ع ران
ا< ب لا ادري اذا فكرت كثرا في هذه
الرحلة » وبالاسباب التي دفمتني
| للاهتمام بها علما انني سافرت
كثرا قبل هذه الرحلة الى دمشق » وفي
اجواء مختلفة » رافقت فيها اناسا كثيرين
منهم الثرثار والطفيلي ٠ومنهم‏ من اهتممت
بحديثئه ©» وكثير( ما شاركت بعضهم في
الحديث »© اذا طلبوا مني او رأيت في
حديثهم ما يسرني » الا إنني في هذه
الرحلة ومنذ ان أنطلقت السيارة وداعبت
عجلاتها الارض بخشونة . فكرت بها واخذت
اتطلع للسماء الشمسة التي كانت تظلل
بروت في ذلك اليوم واستنشقت الرياح
الباردة التي كانت تغزوها من الجبال
المجيطة بها » بل وتطلعت الى الركاب واحدا
بعد الاخر وتحسمسست وجود هويتي والظلة
التي احملها » وكانني في رحلة لها اهمية
خاصة بالرغم من ان كل شيء عادي فيها »
آلا شيئا واحدا » هو مرور السيارة هذه
المرة من طريق مرجميون الذي لم يسبق
لي آن مررت عبره » وما عداه كما قلت
لا من جديد على الرحلة .
وفي تقديري أن هذا السبب ليس كافيا
لكي يعطيها اهمية خاصة © ولكن كثيرا ما'
يشعر الانسان بالارتياح والسرور فيتندفع
للاهتمام بمسائل صغرة » لم يهتم بها من
قبل . وهذه لحظات يمر فيها الانسان
عندما ينسى همومه ويرى الدنيا من خلال
احب المناظر اليه فيعيش لحظات يسجل
فيها لتلك المناظر صورا في مخيلته » وانا
اعتقد ان الشيء الذي سيطر على تفكيري
وجعلني اعتبر هذه الرحلة غر عادية هو
حالة من الارتياح تحدث عند الانسان عندما
يقوم بعمل ما يراه حيدا » او تاتي هذه
الحالة هكذا دون انتظار ودون اسباب في
حين تكون دوافعها عميقة جدا في نفسه .
وها انا منذ انطلاقة السيارة اعيش
حالة الارتياح » التي دفعتني للنظر العميق
في الطريق والجبال التي لبست ثوبا ناصع
البياض » والاشجار التي ازدانت بثمار
من الثلج المتزاكم' على اغصانها 4 وجمد
حرغتها وحولها الى ثربات بيضاء تزداد
روعة عندما تنعكس عليها اشعة الشمس
التسللة بخجل من بين الفيوم الكثيفة »
فتحيلها الى ما يشبه الشرائح المقطوعة من
معدن مصقول »© فازداد ابتهاجا واهتماما
بهذه الرحلة » وكذلك ازداد تاملا بما
صنعته الطبيعة 03 فافتح صدري وعيني لاشم
وارى ما بثلج صدري فاشعر بارتياح كيم ‎٠‏
‏قضيت وقتا طويلا من عمر الطريق احملق
في هذه المناظر » حتى بدات السيارة
تخنففف من سرعتها الى المد الذي وقفت
تماما » فقطعت سلسلة افكاري الحالمة »
والتاملات الوردية التي كنت اعرش فيها »
لان الحالة السكونية نبهتني وبالتالي نقلتني
الى الواقع » فاذا انا امام حاجز بحرسه
عسكريون » والى جانبه سيارة فدائيين
تتحرك ببطء باتجاه الجتنوب . في هذه
اللحظات سمعت صوت _زميلة السفر التي
كانت تجلس قربي في مقدمة السيارة »
والتي لم اشعر بوجودها طوال الطريق»
بالرغم من انني كنت اشم عطرها كلما فتح
احد الركاب زجاج السيارة .
كان كلامها متوافقا مع توقف السيارة امام
الحاجز » فانتبهت لوجودها » فكانت
جميلة وجذابة » يشرتها بيضاه مشربة بحمرة
خفيفة. تزدان بعيون نرجسية واسعة ويفطي
نصف وجهها خصلات شعر كستنئائي لماع
يتدلى على بدلتها الخضراء الانيقة فتزداد
٠ ‏جملا‎ |
"8 ان فدااكفة لم يشفلني نيا »
فسرعان ما انتبهت الى مسالة كبرة عبرت
عنها باربع كلمات : « فدائيون »© فدائيون »
ذبحوهم .. ولكن » .
وقد فاهت بالكلمتين الاخرتين بصوت
هادىء » لكنه مشحون بأالم وتحد »
والتفتت نحوي . ولم يكن لي اي تفسير
لهذه الالتفافة في حيئها » الا انها تطلب
مشاركتي في الحديث © أو رأبي بالممل
الفدائي » فقلت » محاولا جس نبض
الموضوع :
« اتعرفين يا آنسة ؟ ان كلماتك ذات
مدان غامضة» وربما كبيرة » وهي تدل .. »
وقاطمتني : « انا اعرف معانيها جيدا
لانني تعلمتها من الطفولة وعشت معها وعاشت
معي » ورضعتها مع الحليب وعندما كبرت
قرأت عنها الكثر » فأصبحت قوانين حياتي
لانها حياة وطربيق من يصعون الحياة
للملايين » ويثيرون طريقها بمشاعل زيتها
دماؤهم وجسورها اجسامهم . من اجل ان
تروى الارض وتخضر الحقول وتشيد المصانع
ويخلق انسان جديد » لارض جديدة »© ملؤها
المحبة والاخاء والانسانية والامن والسلام .
ولكن بعد حين ..
اي بعد أن تقلع اشجار الحقد والاستفلال
والعنصرية من تلك الارض ‎٠‏
تلك هي بعض معائي كلماتي كما افهمهسام
وكما تعلمتها » الا انني حين قلت ذبحوهم»
لم اكن اعني بها ان كلمة الفداء ألفيت من
قاموس الوجود . بل مرت هكذا على |
الساني لانني شاهدت المجازر التي اعدت
لهم في عمان والزرقاء » وقرأت عنها الكثر»
لهذا اعقبتها بكلمة « ولكن » ..
(ما رأيك بانها تدل ©» فهي بالتاكيد
تدل ..
وقبل مواصلة حديثي ارجو ان تتقيبل
اعتذاري لانني قاطعتك قبل ان تكمل كلامك»
لكنني لا اعتقد ان دلالتها هو ما تصورنه
انت .. بانني فدائية مثلا » مع انني طموحة
لان احمل هذا اللقب » مع صعوبته وتعرض
حامله في كل لحظة للموت »© ولان يواجه
اعداء كثرين » امبرباليين © اسرائيليين »
ورجعيين عرب © وهؤلاء اكثر ضراوة في |
محاربتهم للفدائيين . لان مسالة الصراع
معهم همصرية وتاريخية » ولهذا فالشهداء
الذين وقعوا بايديهم اكثر بعشرات المرات
من الذين سقطوا في ايدي الاسرائيليين »
بشكل مباشر وهذا شيء مؤلم بالطبع »
بالرغم من انني لا اشعر بفرابته » ولكن
اندفع للحقد اكثر عليهم © لانهسم يمئنعون
الفدائيين من تادية رسالتهم التي آمنوا
بها وهي تحرير ارض فلسطين . ‎١‏
واسمح لي ان اروي لسك مقطها من وصية
فدائني ازوجته واولاده » كنبها وهو يتعذب
فراش اوت لانه لم يخضب بدمه ارض
فلسطين :
« زوجتي واولادي : لقفد حفظت والدتي
دمي عشرين عاما بعد استشهاد والدي »
وتنقلت بي الى اكثر من وطن عربي > وهي
تهتم بتفذيتي بزادين احدهما هادي والاخر
روحاني عبر كلماتها التي لا ازال اتذكر
جزءا منها : « ان شجرات الزيتون وبيارات
الليمون » عطشى تريد سقيا حتى تعود لها
خضرتها ونظرتها » بل حتى شجرة اللوز
التي غرسها والدك في وسط الدار وسقاها
بدمه » هي الاخرى تشكو العطش الان ..
ولكن الطريق صعب ويكلفك دمك ©» اللي
حافظت عليه عشرين عاما » حتى يكون اكأثر ,
غزارة » وبالتالي اكثر .قدرة على ارواء
الارض » .. لكنني عجزت عن تلبية طلبها
لان دمي سال في مكان آخر'.
ضحيح ان هذا المكان هو بداية الطريق
الى ارض الزيتون والليمون العطشى» ولكن
ليست هي املية والدتي .
فالذين اراقوا دمي اناس لا يمرفون
الشجر ولا الربيع » بل يحقدون على
الاشجار لانهم لم يعتادوها .. وانهم
تربوا بين العاقول والرهال بعيدا عن كل
‎(١‏ وهدا يعني با رفيق السفر ان ذيول
اسرائيل - وعملاء الامبريالية الذين بحاربون
العمل الفدائي كثيرون © وبالتالي فان من
يحمل لقب الفداه يجب ان تكون امامه
صورة هؤلاء واضحة »© وله المقدرة على
تحمل تآمرهم وغدرهم وحقدهم » طبعا هذا
شرط واحد كن يحمل هذا اللقب » بالاضافة
الح الانضياط والوعي والصبر والامانة
والاخلاص والتنظيم وقوة الارادة » وتحدي
القديم » وافكار القديم » وتفاليده »
وعاداته » وهذه شروط لا اتمكن من الالتزام
بها » انا نفسي »© ربما لانني فتاة اولا »
وابنة اسرة برجوازية مرتبطةيقوانين واعراف
المجتمع القديمة ثانيا . وهذان السببان
يشكلان اكبر عائق في طريق طموحي لان
اكون فدائية » لكنك قد تقول ان الكثير
من الفتيات تمردن على هذا الواقع » وقمن
بعمليات كبيرة ودور كبير » والعمل الثوري
رعى هذه المبادرات » وغذاها » وطورها »
وانا اقول لك ان هن تتحدث عنهن طلائع
قليلة وصغيرة » ومعظمهن من فتيات فلسطين
.. اما انا فمن الشام ! »
قلت » عندئفذ » محاولا استفرازها :
« ان طموحك للانتماء للعمل الفدائي
ووعيك لهامه زمتابعة اخباره » جعلني اعتقد
بأنك فلسطيئنية ! »
قالت :
« اتعتقد ان الانتماء الاقليمي وحده مو
الذي يستئد اليه ,الانسان العمل الثوري ؟
كلا » ان الانسان في الثلث الاخبر من القرن
العشرين له اكثر من انتماء بسبب عقيدة
هذا العصر » التي يجب ان يلتزم بهاكل
انسان له صلة بحضارته وحياته » وهذه
العقيدة تحدد اكثر هن آنتماء هي « الوطن »
الامة » الطبقة »© الانسانية جمماء » وانا
بنت هذا العصر »© وبالتالي فانني اناضل
لاكون جزءا منه ومن تقاليده © وثقافته »
وعقيدته .
ولكن هن- خلال تفاعلي مع الواقع المادي
الذي اعيش فيه وليس بالقفز من فوق
هذا الواقع © والا لما ناخرت ساعة واحدة
عن الالتحاق بالعمل الفدائي والتمرد على
عائلتي وتقاليدها القديمة » لكنني اعمل
يوميا على تفيمر افكارها ومن خلال اقناعهم
بدور المرأة المساوي للرجل اجتماعييا
وسياسيا » واقتصاديا » ضاربة لهم العديد
من الامثلة التي تؤيد وجهة نظري» وبمسائل
حسابية لانتفاضات الشعوب ومنها تاريخ
شعبنا وامتنا التي توضح دور المرأة »
بالاضافة الى دورها الان » وفي تقدبيري
ان هذا الجهد سوف يعطي ثماره عما قريب
ولو في عدد من الاسر» اذا عمل كل انسان
معاصر في أسرته فنتيجة هذه الاعمال سوف
تؤثئر على عموم المجتمع من خلال علاقات
التفاعل والجدل ما بين الجزء والكل ,
ان هذا الايمان يا رفيق وضصعئي امام
الشعور بانني انتمي ايضا لشعب فلسطين
وقضيته » ولا اعتقد انك تختلف معي حول
هذا الانتماء . هكذا يقول شموري » ولو
كثرا ها يخطىء الشعور ! »
وتوقفت عن الحديث فاستفليت هذه
الفرصة لاستخلص شيئا من حديثها »
كانت الطريق توحي » مرة اخرى © بهدوء
لانهائي » فاخذت ارتب » بيني وبين نفبسي»
هذه الحقائق :
اولا : غيرت وجهة نظري فيها »2 لانني -
ا 0 0 0
مم1 نقام : ابو اال
‎٠‏
مضع انمشحي وافنا ,
كنت في بداية الحديث انظر اليها كفتاء
حجميلة فقط ولكن بعد هذا الحديث رأيت
انني امام مناضلة » الحديث مفها هام لانه
يعطيني تصورها كانسائة صديقة للعمل
الفدائي .
ثانيا : تكشفت لي مسألة هامة هي تفكير
العالم الاخر غر المنتمي تنظيميا في صفوف
حركة الثورة الفلسطيئية » بل رأبت في
هذا العالم صورة جديدة مشرقة .
الثا : وضح لي حديثها ان مرحلة
الانحسار التي يمر بها العمل الثوري لم
تسحب نفسها على كل الئاس غير المنتمين .
ولاحظت انني كنت اهدف الى معرفة
الكثر عن افكار هذه الفتاة التي كانت
تنساب من عقلية راجحة وارادة قوية وثقة
بالنفس »© بالرغم من صفر سنها الذي
لم يكن في تقديري اكثر من ثمانية عشر
عاما » ولكن يبدو ان سعة اطلاعها وتربيتها
لعبت دورا كبيرا في انضاجها مبكرا .
وما ان انتهيت من تفكري بحديثها رايت
من الضروري متابعة الحوار » فقلت لها :
« في بده حديثئك. قلت ذبحوهم ولكن ..
فماذ١‏ تقصدين » ؟
ابتسمت ابتسسامة عريضة وقالت :
« معئاها الوجود » معناها ان قطع غصن
او عدة اغصان من شجرة ثابتة الجذور في
اعماق الارض لا يمكن ان تموت مهما تعرضت
لعمليات البتر ‎٠‏
وهكذا العم لالفدائي فهو لا يموت» وكلمة
« ولكن » تعني أن الذبح الذي تعرض له
كبير وكير جدا ولكنه لم ينهه » هذا مذ
قصدته » فهو في نظري كالشجرة ينمو
ويبدل اوراقه واغصانه » لانه اصل الوجود
ولهذا لا يموت » .
قلت لها : « ان تشبيهك له بالشجرة »
صحيح لحد ما » ولكن الاشجار اذا ما
تعرضت للجفاف او البرد القارص ©» الذي
لا تتحمله طبيعتها قد تموت .. »
« صحيح قد تجف اوراقها » ولكنها
ستبقى واقفة » وهذا هو الفرق بينها وبين
الحيوانات »© الني تموت على الارض وتتمفن
رائحتها » بينما الاشجار تموت واقفة
وشامخة فتبقى شواهد وجودها واثرها لعدة
اعوام » تتحدى الموت الذي -سلبها الخضرة
والثمرة منها .
فهو أن هات سوف تبقى آثاره وتاريخه
وجذوره في الارض وفوقها تتحدى الاعداء
وتنحدئى القتئلة » وتتحين الفرص (الظروف
لتنمو مرة اخرى ولكن بنوعية اجود واكئف
وارقى » بسماد سيضاعف مفموله انتساج
الارض »6 .
وبعد فترة صمت » مضت تقول :
« ولكنني لحد الان لم اعرف رأيك » .
قلت لها : « ماذا تمتقدين ؟ »
فردت علي : ( أن انصاتك كل هذه
الفترة لحديثي يدل على اهتمامك بالمسألة »
لكن هذا لا يدل على التزامك » 0 .
وانتهى الحديث قبل ان تقف السيارة
على رصيف ساحة المرجة .
وما أن حملت حقيبتي وهممت بمقادرة
السيارة » قالت لي : ( اتعتقد انه يمكن
ان نلتقي مرة اخرى ؟ أما لك عئوان يمكن
ان نتراسل عليه ؟ »
قلت لها : « لا : لانني لاجىء في مخبم
من مخيمات البؤس التي فرضت على شعبي
إن يعيش بها وبالتالي فلا عنوان لي .. »
فهمت ماذا اقصد © وابتسمت وشيمتني
بنظرة عطف كبيرة » مليئة بالتابيد .
رج ع عي
هو جزء من
الهدف : 144
تاريخ
٢٥ مارس ١٩٧٢
المنشئ
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
مجموعات العناصر
Generated Pages Set
Periodicals دوريّات

Contribute

A template with fields is required to edit this resource. Ask the administrator for more information.

Position: 2883 (6 views)