شؤون فلسطينية : عدد 2 (ص 135)

غرض

عنوان
شؤون فلسطينية : عدد 2 (ص 135)
المحتوى
ألف كاي . كنا ( ما زلت اذكر ) جالسين في كررسيين
كبيرين في « فندق ببرئرز » على مقربة من «اكسفورد
ستريت » . طلبت له شرابا كثيرا » وهو لم يكن
كثي الشرب . وقلت له انني ضقت ذرعا بزهده
وتقشفه . كل أجود الاكل ©» قلت له . لا تقبل الا
بافخر الطعام وافخر الشراب . تحدث عن الموت
كأنه ليس من معارفك . تق أليه أن شىثئت »© ولكن
لا تسع اليه . بقينا في جدل » وعتاب »© والحاح .
واستطعت في تلك الليلة ان اقنعه بضرورة عشاء
فاخر . وتعشينا عشاء فاخرا . وفادرني في ساعة
متأآخرة وهو يعدني بالا يفعل شيئا «شماذا» قبل أن
يتصل بي . ولم انم تلك الليلة » ولم ادر كيف
اقضي النهار التالي الى أن جامني عصرا » يضحك
ضحكته الساخرة . كم مرة بعد ذلك راودته فكرة
الانتحار © لست ادري ‎٠‏ غير انني شمعرت انه
يومئذ عبر الازمة بنجاح ©» او © على الاقل » عبر
ذروتها القاتلة . لان الازمة نفسسها لاحقته لبضع
سنوات آخر ‎٠‏ داراها اولا لمدة سنتين بكتابة ديوان
« القصيدة ك » ©» وهو معها بين هازم ومهزوم ©
وكأنه انسان عاد للتو من عالم الموتى » الى ان
خيل اليه انه حقق لنفسه توازنا ما » يسستمده من
الكتابة من ناحية » ومن اصراره على حياة جديدة
من ناحية اخرى © حياة راح يعلل نفسه بها طيلة
اشهر الصيف التالي الذي قضاه في لبنان ‎٠‏
وني ذلك الصيف بالذات » من تلك السنة الحاسسمة
في حياته » ذهبت انا ايضا الى لبنان مع عائلتي
لقضاء قرابة الشهرين في سوق الغرب . هناك في
فندق كامل »© كان يأتي الينا توفيق واصدقاء كثيرون.
ولكن اذا جاء توفيق بمفرده» جاء حاملا مخطوطة
«القصيدة ك». ولاول مرة راح توفيق يقرأ» اجل
يقرأ» قصائده عليواحدقواحدة.كثيرا ما كنا نسيرفي
ذلك الطريق الجميل بين الفندق وقرية كيفون »؛ وهو
يقرأ شعره الصعب »© المكهرب »© الناتىء . ثم
ننتهي الى مقهى في كيفون يشرف على وديان ورواب
نحبها ( تذكرني بوديان وروابي طفولتي في بيت
لحم ) © ونعيد قراءة التصائد من جديد ‎٠‏ كنت
اشعر ان هذا الشاعر الذي لا يقراه الا القلة
العارفون ©» يحاول في وحشته ان يصهر اللغة ©»
قديمها وحديثها » ألينها ووحشيها © في بوتقة
صنعها بنفسه »© ليعيد سسبكها في قوالب من خلقه.
لم يتوقع اعترافا بعيقريته من أحد »© ولم يرد ذلك.
فبقدر ما كان يصارع رؤياه» الملاى بالحب والجراح
والنفي » الملأى بأصوات تتقارع جيئة وذهابا بين
ثرحلا
الله والشيطان » هكذا كان يصارع كلماته نفسسها
في عزلة يضربها على نفسه »© غير مستهد الا بذلك
الاشعاع الذي يحسيه في جوهر دخيلته ‎٠‏ وكان في
تجربته الذوبان في ذات الله او المسيح » شق
يناقضها هو التمرد على كلما نشكأ عليه من ايمان.
وعلى غرار ذلك »© كانت تجربته مع اللغة ؛ ايمانا
بها وتمردا عليها . ولم يكن تمرده الا الوجه الآخر
لايمانه » وكلاهما مشحون بالغضب © والنزق ©»
اموز 6 والشدرية للم يكن سينا لان
حملق بوجه الموت مدة طويلة » ألا يخشى حكما من
اناس أقاموا أنفسسهم سسدنة مزعومين للفة .
صبيحة يوم أحد © في ذلك الصيف ©» خرجنا انا
وزوجتي وتوفيق ورياض نجيب الريس »© في سيارة
كبيرة يسوقها رياض »© للصعود الى جبل صنين .
وبعد مسيرة طويلة في فجاج ملتوية © يمتد بعضها
بمحاذاة وادي الجماجم » جئنا الى ممر ششديد
الضيق »© متهافت الصخر ©» على يسارنا جدار
الجبل » وعلى يميننا واد سحيق الانحدار ‎٠.‏ على
كتفه ©» في ذلك الممر الخطر © قابلتنا سيارة
فولكسوامن صغيرة »© وكان على رياض أن يحيد
قليلا الى اليمين ليسسمح لها بالعبور عن يسياره .
وما ان فعل ذلك »© وقد أبطأ السير جدا بالطبع »
حتى ثمعرنا أن الدولاب الامامي على اليمين ©» قد
اصبح في الفضاء او كاد فوق الثسفر المتداعي .
فأوقفك رياض السيارة » وخرجنا جميعا قبل أن
تنقلب بنا ‎٠‏ خرجنا جميعا © الا توفيق ‎٠‏ وحده بقي
قابعا في زاويته في المقعد الخلفي . لم يتزحزح ‎٠‏ لم
يعن له الموت كشسيئا ©» خلم يخف الانهيار ‎٠.‏ رخض
النزول ©» بل انه سيخر منا » لاننا أسرعنا بالنزول
من السيارة ‎٠‏ وظل مكانه بقميصه الابيش » مكتوف
الذراعين الى ان تعاونا مع سائق الفولكسواغن
على تحريك السيارة بعيدا عن حافة الهاوية ..
وعبرنا الخطر ‎٠‏
غير ان المزيد من الالم كان في انتظار توفيق عند
عودته الى انكلتره © وكان عليه بعد صدور
« القصيدة ك » ان يداري امتداد محنته ردحا آخر
في لندن كيفما استطاع . لقد حسسب انه بهجره كاي
وكتابة ما كتب فيها ©» قد انتهى منها » غير انه كان
عليه بعد بضعة اشهر ان يفرغ دمه منها بكفارات
جارحة جديدة » وكتابة قصيدة اخرى دعاهاء عندما
نثرها اولا في مجلة «شمعر» © «القصيدة الاخيرة»»
ظنا منه أنه لن يجد بعدها ما يحرك فيه شلهوة
الشبعر ثانية قط .
تاريخ
مايو ١٩٧١
مجموعات العناصر
Generated Pages Set

Contribute

A template with fields is required to edit this resource. Ask the administrator for more information.

Position: 17435 (3 views)