شؤون فلسطينية : عدد 94 (ص 41)

غرض

عنوان
شؤون فلسطينية : عدد 94 (ص 41)
المحتوى
الطعام في تلك الايام كان بالغ الاهمية في حياتي . لم اكن افكر في اي شيء آخر . كان كأن
الطعام هو انشغالي الكامل الوحيد . قد لا اكون قلقت كثيرا حول عدم الذهاب الى المدرسة ,
وحول حلق رأسي مرة كل شهرين لاوفر قواتير الحلاقين » و<ول المشيء حافي القدمين , وحول
عدم اكل المغربية ‎٠‏ وارتداء ملابس جديدة اوتلقي علاوة خاصة خلال العيد , لكن الطعام شخل
علي حياتي . ومنذ البارحة ‏ الكعك . واقول ذلك لأبي .
كنت قد صعدت التلة لاشاهد مباراة محلية في كرة القدم مع فتى لبناني من الجوار . كان
يحمل معه كيسا بتيا من الورق ‎٠‏ وفيما جلسنا لنراقب المباراة ؛ فتح الكيس واخرج منه قطعة
من الكعك . ونظرت اليها واليه . لم ار ابدا شيئًا مثلها منذ زمن طويل . ولم اشعر قبل ذلك
ابدا » أو منذ ذلك الحين ‎٠‏ بأي شيء في حياتي كما شعرت بمثل تلك الرغبة الشديدة اليائسة التي
رغبت بها في قطعة من تلك الكعكة . فقد بدت لي لذيذة » طيبة , غنية . واردتها باتقاد كاد يكون
شهوانيا في قوته .
وفعلت كل شيء ليعطيني ذلك الفتى قطعة منها . سوى ان اطلب منه ذلك . هل حيزت امك
هذه الكعكة ؟ نعم . تبدو حقا طيبة » اليس كذلك ؟ نعم . ويأكل ويتجاهلني . تبدو طيبة
ولا بد ان يكون طعمها طيبا . نعم . وطوال الوقت اقاوم دافعا لأن امسك بالفتى من عنقه
وانتزع منه ما اريده . ولكني كنت في العاشرة من عمري فقط ولم يمض على وجودي في الغرية
سوى ثلاثة اعوام . لم اكن قد امضيت بعد قدرا كبيرا من الوقت في الشوارع . ولم اكن عنيقا
كما تعلمت ان اصير فيما بعد في ثقافتي الشارعية . لذ! اكتفيت بالجلوس هناك ويمراقبة
المباراة بهدوء . ‎١‏
واذ اروي القصة لابي » يصغي الي وعلى وجهه نظرة لا تعبيرفيها ؛ وكأنه يحاول ان يقرر
ما اذا كان يجب ان يكون غاضبا او حزينا . اى ريما كان يتساءل فحسب لماذا يجب ان نكون
القوم الوحيدين الذين لا يستظيعون' الوصول , حتى بطريقة صغيرة , الى:قطعة من الكعك
هناك . وماذا لم يكن لدينا شيء : ولم يدرك , كما لم يدرك جميع الآخرين في تلك الايام ؛ ان
اللاغيء في حياتنا هو الذي وضع الأساس لتاملاتنا التخريبية حول الكينونة والصيرورة .
ويقول أبي بغموض ‎٠‏ ويصوت مستو : « اننا فلسطينيون يا ابني ! » ولم اعرف ابدا
ماذا عنى . احب ان اعتقد انه اراد ان يقول اننا كنا شعبا أبيا ,: يمجموعة ابية من التقاليد .
وقد يكون عنى اننا كفلسطينيين كنا فقراء وعاجزين وغير مرغوب فينا ويالتالي لا يجب ان نتوقع
غير قرابة من النوع التقيل الوطأة مع هؤلاء الذين يحيطون بنا . ومهما كان الامر » وبسواء كان
انانية مثالية اويتر النفس , فقد كان زادا من الطاقة كنت قد ابتدأت التقطه . من حولي ؛ من
حقيقتي الفلسطينية . وافسره ليعني شيئا واحدا : كنا الآخر .
بالطبع كانت آخريتنا مصدرا لعلتنا بقدر ما كانت مصدرا لقوتنا . ولاجئية ابي . فتلك
ايضا كانت جزءا من ميثولوجيا جديلي » جزءا من عمليتي الخاصة للتحويل الذاتي . اذ انها
خلقت اوضاعا لنقيضها في جيلي .
بعد ذلكعيسنة او سنتين اكون في الشوارع . فأي مكان آخر كان هناك لأذهب اليه ؟ لم يكن
تاريخ
سبتمبر ١٩٧٩
المنشئ
منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
مجموعات العناصر
Generated Pages Set
Periodicals دوريّات

Contribute

A template with fields is required to edit this resource. Ask the administrator for more information.

Position: 39480 (2 views)