شؤون فلسطينية : عدد 92-93 (ص 253)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 92-93 (ص 253)
- المحتوى
-
50
فهى لا يهتم بالشرق أيدا , باستثناء اعتباره له بمثابة العلة الأولي لما يقوله . إن ما يقوله
ويكتبه , بفضل حقيقة قوله أو كتابته ؛ يقصد منه الاشارة إلى أن المستشرق يقف لخارج
الشرق ؛ كحقيقة وجودية ومناقبية على السواء . أما النتاج الرئيسي لهذه الخارجانية فهو طبعاً
التمثيل : منذ زمن مبكر يعود إلى مسرحية اسخيلوس « الفرس » يجري تحويل الشرق من
آخرية (ووعمءومون) بعيدة ونائية جدأ وغالبا ما تكون مهددة ( بكسر الدال ) إلى صون مألوقة
نسبيأ ( إلى نساء أسيويات حزينات ؛ في حالة اسخيلوس ) . إن الفورية الدراماتية للتمثيل في
مسرحية الفرس تطمس الحقيقة في أن الجمهور شاهد حدثا مصطنعا للغاية عما فعله شخص
غير شرقي محولا إياه إلى رمز للشرق بكامله . لذا فان تحليلي للنص الاستشراقي يضع التشديد
على الأدلة , وهي أدلة غير مرئية بأية حال , بالنسبة للتمثيلات بوصفها تمثيلات وليس
تصويرات « طبيعية » للشرق . هذه الأبلة يمكن العثور عليها بشكل بارز في النص المزعوم
( التواريخ والتحاليل الفيلولوجية والمقالات السياسية ) كما في النص الفني المعترف به ( أي
المتخيل بصسراحة ) . فالأشياء التي ينبغي النظر إليها هي الأسلوب والتشابيه والاستعارات ,
مكان وزمان المشهد , الوسائل السردية الروائية , والظروف التاريخية والاجتماعية » وليس
صوابية التمثيل ولا امانته بالنسبة لأصل عظيم . إن خارجانية التمثيل تحكمها على الدوام
صيغة معينة للحقيقة البدهية القائلة إنه لى استطاع الشرق تمثيل نفسه , لفعل ذلك . ويما انه
لا ستطيع , فالتمثيل يؤدي هذه الوظيفة ؛ من أجل الغرب ولعدم وجود شيء أفضل من أجل
الشرق المسكين ( الفقير ) . وكما كتب ماركس يقول في « الثامن عشر من برومير لويس
بونابرت : « إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم ؛ وينبغي لأحد ما ان يمثلهم » .
ثمة سبب آخر وراء الالماح على الخارجانية وهى اعتقادي بهرورة توضيح المسألة
التالية بالنسبة للمقالة الحضارية وللتبادل ضمن الحضارة الواحدة : إن ما يجري تداوله
بصورة شائعة على يدها ليس ٠ الحقيقة » بل التمثيلات . ولا خاجة بنا إلى التبيين والتدليل
مجدداأ بأن اللغة في ذاتها هي منظومة في غاية التنظيم والترميز » تستخدم عدة وسائل للتعبير
والاشارة » وتبادل الرسائى والمعلومات والتمثيل وهلم جرا ففي أية حالة من حالات اللغة
المكتوبة مي حضور للقارى' بفضل كونها قد أاقصت واستبدلت أي شيء جقيقي مثل « الشرق ٠
وجعلته نافلا . وهكذا فان الاستشراق بمجمله يقف من هنا فصاعدا بعيدأ عن الشرق : ذلك ان
كون الاستشراق ينطوي على معنى اطلاقا يعتمد على الغرب اكثر من اعتماده على الشرق ٠ وهذا
المعنى مدين مباشرة الى تقنيات غربية متنوهة في التمثيل » وهي التي تجعل الشرق مرئيا وجلياً
و « هناك » في المقالة عنه , وهذه التمثيلات والتصورات تعتمد بدورها على المؤوسسات والتقاليد
والأعراف والمفاتيح المتفق عليها للفهم في ممارسة تأثيراتها , وليس على شرق هلامي ونائي
اليعد .
أما الفرق بين تمثيلات الشرق قبل الثلث الأخير من القرن الثامن عشر والتمثيلات التي
جاءت بعد هذا التاريخ ( أي التمثيلات التي تنتمي إلى ما أدعوه بالاستشراق الحديث ) هو أن
مدى التمثيل اتسع بشكل هائل في الفترة الثانية .
ومن السحيج أن أوروبا توصلت ٠ بعد وليم جونز وانكوتيل دوبيرون وبعد حملة
نابوليون المصرية, الى معرفة الشرق بشكل علمي اكثر , والى أن تعيش مع هذا الشرق بمزيد من - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 92-93
- تاريخ
- يوليو ١٩٧٩
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 39484 (2 views)