شؤون فلسطينية : عدد 196 (ص 35)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 196 (ص 35)
- المحتوى
-
محمد خالد الأزهري
تاريخياً. ولكنها تظل من نتاج الغرب الأوروبي وحضارته. وقد ظهرت هذه الخبرات عقب إنطلاق المدّ
الأوروبي الاستعماري على أثر الكشوف الجغرافية. ويميز الدارسون, في هذا الاطار, بين نموذجين
أساسيين للاستعمار الاستيطاني: أولهماء النموذج اللاتيني؛ وثانيهما النموذج الأنجلى سكسوني.
في النموذج اللاتيني» تعامل المستعمرون مع السكان الأصليين بأسلوي لم يسلك طريق الابادة
العامة» ومن أمثلته ما حدث في اميركا اللاتينية والجزائر. أمّا النموذج الأنجلو- سكسوني؛ فقام على
إحلال المستوطنين المستعمرين محل الأهالي الأصليين بعد إبادتهم تماماًء أى عزلهم؛ مثلما حدث في
استراليا والولايات المتحدة الأميركية وجنوب أفريقيا. فاذا نظرنا الى الاستعمار الصهيوني
الاستيطاني» وجدنا أنه يجمع بين أسوأ ما في هذين النموذجين:؛ أى النمطينء. ويضيف اليهما؛ من
عندهء ما هى أكثر سوءا . قالاستيطان الصهيوني يشبه النموذج الأنجلى سكسوني لسلوكه قدراً من
أسلوب إبادة السكان الأصليين (الشعب العربي الفلسطيني)» وقدراً من أسلوب العزل الجنسي كما
يحدث في جنوب أفريقيا. وأمَا الاضافة السيئة التي ينفرد بهاء فهي عمليات طرد السكان الأصليين
خارج الحدود بشكل جماعي بشع. ويذلك؛ فان الاستيطان الصهيوني هو الأكثر سوءاً: من الناحية
التاريخية» ويمدّل نموذجاً بعينه("0).
ولكي ندرك حقيقة هذه النماذجء التي تضطلع اسرائيل بدراستهاء سعياً وراء تجنّب أخطاتها
وتحرّي عوامل نجاحهاء نلاحظ أنه حتى العام ,176١ لم يد عدد البريطانيين في اميركا الشمالية
عن ٠٠١ ألفء ولم يكن عدد البيضء عموماًء في المستعمرات الأسبانية في الأميركتين؛ حتى العام
6٠ أكثر من 7,55 ملايين من النفوسء جاء أغلبهم نتيجة للزيادة الطبيعية(!'). غير انه مع تعمّق
الانقلاب الصناعيء: حدث خروج أبيض عرم من أوروباء وبدأ صدام حقيقي شرس وهمجي بين
المستوطنين والسكان الأصليين في مختلف مناطق الاستعمار الاستيطاني؛ ونجم عن ذلك آثار بعيدة
: التطلور السكاني لتلك المناطق. ققد أتت موجات المستوطنين المهاجرين بأسباب الموت المباشر وغير
اشر؛ إن نقل الرجل الأبيض أمراضاً لم يعرفها الوسط البيولوجي بالمستعمرات» فحدثت أوبئة رهيبة
3 مئات الالآف من الوطنيين. وفي الوقت عينه» ويشكل مباشرء تكقّلت الأسلحة الحديثة
والكحوليات وأعمال السخرة الأورويية بازهاق آلاف أخرى من النفوس. لقد كانت عمليات صيد
الرؤوس من الرياضات المفضلة عند الرجل الأبيض (المستوطن) في أستراليا. وفي اميركا الشمالية,
أرتفع شعار «الهندي الطيب هو الهندي الميت», حتى تحول الهنود الحمر الى وجود متحفي لايأيه له
سوى بعض الانثروبولوجيين وصانعي الأفلام السينمائية. وقد كان مصير هؤلاء الوطنيين مقدوراً من
البداية لسببين: أولهماء قلة أعد ادهم مقارنة بالمهاجرين المتدفقين كالسيل؛ وثانيهماء ضعف مستواهم
الحضاريء مقارنة بمستعمريهم المستوطنين. وهكذ! شهدت اميركا الشمالية نموذج الابادة الصريحة,
بينما شهدت اميركا الجنويية نموذج الاختلاط بين السكان الأصليين وبين المستوطنين: وذلك بسبب
ضخامة العدد النسبي للسكان الأصليين عند بداية الغزى الاستيطاني الأبيض. ولذلك؛ يصع القول
أن اميركا الشمالية كانت بوتقة صهر الجنس الأبيضء أي بين المستوطنين فقطء على حين شكلت
اميركا الجنوبية بوتقة صهر بين البيض والهنود والزنوج معاً . وممًا يسترعي الانتياه؛ في حركة
الاستيطان الاوروبي والتعامل مع السكان الأصليين, تلك الحركة المزدوجة الضخمة:, التي تمثّلت في
إبادة السكان الوطنيين في العالم الجديد؛ من ناحية؛ ونقل السكان من افريقيا وآسيا نحو هذا العالم,
من ناحية اخرى.
ويبدى أن حاجة العنصر الأبيض الى الأيدي العاملة, بعد تطوّر مناطق الاستيطان: جعله
36> شؤون فلسطنية العدد 2157 تموز ( يوليى ) 19145 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 196
- تاريخ
- يوليو ١٩٨٩
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 59403 (1 views)