شؤون فلسطينية : عدد 197 (ص 53)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 197 (ص 53)
- المحتوى
-
عمر سعادة
وتدفق موجات الهجرة الجماعية من الشرق والغربء حاملة الى الكيان الجديد طوائف يهودية كاملة:
بثقافاتها المختلفة, ومشكلاتها المتعددة» واحتياجاتها المتنوّعة. وكان صهر هذا الخليط البشريء الذي
ينتمى الى اكثر من تسعين قومية, في بوتقة واحدة, يبدو أمراً في غاية التعقّد » ان لم يكن مستحيلا.
ذلك ان البوتقة ذاتها لم تكن قد وجدت بعد . فالهوية الثقافية للدولة الجديدة لم تتبلور؛ وأسس العيش
المشترك لليهوب في هذه الدولة لم تكن قد أرسيت؛ والسياسات العامة للنخبة الحاكمة لم تكن قد
خططت ولم يتضح من معالمهاء في ذلك الوقت, سوى الاستعداد للحرب المقبلة ضد العرب؛ مع ما
يتطليه ذلك من حشد بشريء واقتصادي, وعسكري.
وطوال سنوات عديدة, كان التحدي الرئيس الذي يواجه النخبة الحاكمة في اسرائيل يتمثّل في
كيفية دمج المهاجرين اليهود في كيان اجتماعي وثقافي واحد. وكان بن - غوريون يسأل بحيرة وقلق»
بعد عشر سنوات من وجوده في السلطة :«لا ادري كيف سيصبح هذا الجمهورء الذي قدم الى البلاد»
شعباً واحداً... ان هذه القضية أصعب بكثير مما تبدو...(9١).
فالتمايزات الثقافية, والاجتماعية, والاقتصادية؛ والطائفية, التي وجدت بين هذا الخليط البشري
الذي يتحدث أفراده بعشرات اللغات: كانت كافية لتعصف بدول أكبر وأكثر رسوخاً وامكانات من
اسرائيل. وكان توزيع هذا الخليط على الهرم الاقتصادي الاجتماعي للكيان الجديد ينطوي على
مخاطرة كبيرة خاصة في مجتمع للمهاجرين» يقدم كل منهم مصلحته الخاصة على مصالح الآخرين.
واستباقاً لانفجار التناقضات الداخلية بين اليهود» والتي بدأت بوادرها منذ مطلع العشرينات»
كان لا بد من توجيه ديناميات الصراع الاجتماعي نحو هدف خارجيء لتحويل التناقضات الداخلية,
مجتمعة؛ الى تناقض ثانوي ازاء التناقض مع الخارج. ولم يكن من اليسير كبح الصراعات الدداخلية,
وتحويل قوة التركيز والاهتمام والسلوك نحو الخارجء الا بتصعيد الصراع الخارجي» وجعله «ملموسا»
من حيث تأثيره الفعّال والمستمر في الوضعية النفسية؛ والاجتماعية؛ للمستوطنين اليهود؛ بحيث يخلق
حالة دائمة من التوتر والتحفّز العام موجهة الى الخارج.
لقد أدرك الصهيونيون: منذ فترة مبكرة ان الوحدة الاجتماعية بين اليهود في الدولة الجديدة,
وف غياب الجوامع الايجابية المشتركة بين المستوطنين اليهود: لا يمكن الآ ان تكون وحدة سلبية»
مبنيّة على الخوف الفردي» والجماعي, من العدى الخارجي. قال بن غوريون: «ان العداء المستمر
من جانب العرب» قبل انشاء الدولة؛ أدى الى قيام مجتمع يهودي أكثر تماسكاً في البلاد... ومنذ ذلك
الحين؛ كانت العداوة العربية المتواصلة حافزاً لتطوير اسرائيل»(5١
ونجد في علم النفس الاجتماعي تفسيراً مفهوم بن غوريون حول «التماسك» الاجتماعيء المبني
على الخوف من الخطر الخارجي؛ وهو ما يسمّىء في علم النفسء ب «التوحّد». فبعد ان تحدث فرويد
عن التوحّد الايجابي, الذي يقوم على الميول والاهتمامات والحاجات المشتركة بين الأفراد» وهو ما
ينمي روح الجماعة لدى المجموعات البشرية ذات النشأة والتطور الطبيعيين » يتطرق الى نوع آخر من
التوخدء لا ينهض على أسس ايجابية مشتركة لدى أفراد الجماعة» بل هو توحد سلبي محوره العداء
والخطر. كتب فرويد: «ان من أهمّ عناصر تقوية الشعور بالجماعة» وجود أخطار خارجية» فعلية أو
متومة ؛ فلا عجب اذا لجا القادة, منذ فجر التاريخ» الى اختلاق هجمة خارجية: بغية تدعيم الوحدة
القومية» وتوطيد سلطانهم على الشعب». وورد في ما كتبه فرويد حول التوحّد السلبي؛ مقولات مثل:
«تحويل الميول العدوانية الى الخارج» و «نقل العدوان» وكيف «توجّه الضحية الانفعالات من
عن شْيُون فلسطزية العدد 151. آب ( اغسطس ) 1544 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 197
- تاريخ
- أغسطس ١٩٨٩
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 10638 (4 views)